السلام عليكم شيخنا، يكثر في هذه الأيام الكلام حول...

السؤال:

السلام عليكم شيخنا، يكثر في هذه الأيام الكلام حول الشفقة على الكفار الذين يموتون بسبب وباء كورونا بين منتقدٍ يرى أنه يقدح في العقيدة وبين مشفقٍ يرى أنه من الإنسانية، فما توجيهك شيخنا بخوص ما سبق؟ وجزاك الله خيراً

702
6

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

فالشفقة الحاصلة من بعض المؤمنين لما ينزل بالكفار من عقوبات إلآهية، ومنها هذا الوباء المسمى بكورنا، هذه الشفقة سببها الجهل بدين الله وضعف الولاء والبراء عند كثير من المؤمنين.

وقد جاء من الأدلة من القرآن والسنة على مشروعية الفرح بما ينزل بالكفار من عقوبات بل وتمني نزول العقوبات على الكافرين بل ودعاء الله بإنزال العقوبات على الكافرين، قال تعالى: ﴿ وَقالَ نوحٌ رَبِّ لا تَذَر عَلَى الأَرضِ مِنَ الكافِرينَ دَيّارًا ۝ إِنَّكَ إِن تَذَرهُم يُضِلّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدوا إِلّا فاجِرًا كَفّارًا﴾[نوح:26-27]، على أنه لا يشرع الدعاء على الكافرين بالاستئصال الكلي لأن الله قدر أن يبقى منهم فيكون الدعاء بالاستئصال الكلي من التعدِّي في الدعاء وإنما دعا نوح لأن الله أطلعه بأنه لن يؤمن منهم إلا من آمن معك، ومن الأدلة قوله تعالى: ﴿ وَقالَ موسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيتَ فِرعَونَ وَمَلَأَهُ زينَةً وَأَموالًا فِي الحَياةِ الدُّنيا رَبَّنا لِيُضِلّوا عَن سَبيلِكَ رَبَّنَا اطمِس عَلى أَموالِهِم وَاشدُد عَلى قُلوبِهِم فَلا يُؤمِنوا حَتّى يَرَوُا العَذابَ الأَليمَ﴾[يونس:88]، ومن الأدلة قوله تعالى: ﴿ قاتِلوهُم يُعَذِّبهُمُ اللَّهُ بِأَيديكُم وَيُخزِهِم وَيَنصُركُم عَلَيهِم وَيَشفِ صُدورَ قَومٍ مُؤمِنينَ ﴾[التوبة:14]، ففيها التشفي بما يحل بالكافرين من مصائب وهزائم سواء بأيدي المؤمنين أو بما ينزله الله من عقوبات عليهم.

ومن الأدلة في السنة ما جاء عن عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

"اللهم قاتِلِ الكفرةَ الذين يصدُّون عن سبيلِك ، و يُكذِّبون رُسُلَك ، و اجعلْ عليهم رِجزَك و عذابَك قاتِلِ الكفرةَ الذين أُوتوا الكتابَ ، إلهَ الحقِّ". صححه الألباني – صحيح الأدب المفرد (538).

وعن عبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ رَجُلًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ ، قَالَ : فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. أخرجه البخاري

وعن عَبْدُ اللَّهِ : ( إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِين يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ، وَجَهْدٌ، حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ ) أخرجه البخاري

فدلت هذه الأدلة على مشروعية الدعاء على الكافرين بالهلاك وغيره، فكيف يجوز لنا أن نشفق عليهم وهم أعداء الله ورسوله والمؤمنين؟!

بل قد جاء من الأدلة ما يدل على نقل الأمراض من بلاد المؤمنين الى بلاد الكافرين

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ ؛ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ" اخرجه البخاري

وكانت الجحفة يسكنها اليهود، قال النووي في شرح مسلم في شرحه لحديث: "وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ" قال الخطابي وغيره: كان ساكنوا الجحفة في ذلك الوقت يهودا، ففيه دليل الدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك، وفيه الدعاء للمسلمين بالصحة وطيب بلادهم والبركة فيها، وكشف الضر والشدائد عنهم، وهذا مذهب العلماء كافة. انتهى.

ثم كيف يشفق على الكافر بنزول الوباء وقد جعله الله عذاباً ورجساً!

فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: ( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ ) متفق عليه

وهذا الوباء من جنس الطاعون أرسله الله عذاباً لهؤلاء الكفار المعاندين المتكبرين على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فالخلاصـــــة:

إن أُريد بالشفقة رفع الوباء عنهم وبقاءهم على ما هم عليه من الكفر فهذا لا يجوز، وأما الشفقة التي بمعنى تمني دخولهم الإسلام وموتهم عليه وعدم موتهم على الكفر فهذا جائز، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف قال له ملك الجبال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين - جبلين في مكة – فعلت، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " متفق عليه

فالشفقة عليهم أن يموتوا على الشرك ولا يخرج منهم من يعبد الله وحده، فهذه شفقة مشروعة وفرق بينها وبين الأولى التي عليها كثير من الناس.

والله أعلم.

------------------------

كتبه: فضيلة الشيخ عبدالغفور اللحجي

يوم الجمعة

17 شعبان 1441هـ

كلام خير البشر